نوفمبر.. «شهر الحساب» في أميركا
من المؤكد أن 2024 عام الحساب بالنسبة لدونالد ترامب في المحاكم، وكذلك في الرأي العام. في الدوائر القضائية، هناك ما يكفي من القضايا المتعلقة بترامب. هناك محاكمة الرئيس السابق بشأن الأضرار المدنية في قضية التشهير التي رفعتها عليه الكاتبة «إي جان كارول»، وقضية الاحتيال المدني للمدعي العام في نيويورك «ليتيتيا جيمس»، وقضية المال الجنائي التي رفعها المدعي العام لمنطقة مانهاتن «ألفين براج»، وقضية الوثائق السرية للمستشار الفيدرالي الخاص «جاك سميث»، في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، وقضية التدخل في الانتخابات التي رفعتها المدعية العامة للمقاطعة «فاني ويليس»، وقضية التدخل في الانتخابات التي رفعها سميث، والأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في كولورادو وولاية ماين التي تستبعد ترامب من الاقتراع الرئاسي الأوليّ في تلك الولايات. معظم مواعيد المحكمة لا تزال معلقة. ولكن من المؤكد أنه بحلول نهاية العام، ستدق الأبواق القضائية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت تبشر بالهلاك أو الفرح لترامب.
وبينما يستعد ترامب لصدور أحكام القضاء، فإنه سيتحمل أيضاً أياماً من الحساب مع جمهور الناخبين. في موسم الانتخابات التمهيدية للحزب «الجمهوري» في عام 2024، بدءاً بالمؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا في شهر يناير، حصل ترامب على ما يعتقد أنه قد حققه بفضل روعته الواضحة. وفاز بترشيح الحزب «الجمهوري» للرئاسة ويقبل تتويجه في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي في يوليو. لكن يوم الانتخابات في نوفمبر أمر آخر.
وسيواجه ترامب الحكم مرة أخرى في ذلك الوقت، ولكن من قبل مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الناخبين. ويأمل المرء أن يكون هذا اليوم الذي تلاحق فيه ترامب أخطاؤه كرئيس ــ إساءة استخدامه للسلطة، وتشويه سمعة الناس والقيم العزيزة. وهذا أمل، وليس وعداً أو حتى توقعاً متفائلاً.
لأن انتخابات الخريف المقبل تتعلق بما هو أكثر من مجرد ترامب. فهو يوم بالغ الأهمية بالنسبة لأميركا ــ اللحظة التي تجبر البلاد على اتخاذ القرار بشأن ما إذا كانت تريد أن تصبح ذلك النوع من البلاد الذي يمثله ترامب أو تظل مكاناً حيث يشكل السعي إلى الحرية والمساواة وتوفير الفرص ــ للجميع ــ قيماً أساسية. النتيجة لم تحسم. عندما أقدم «جورج والاس» على محاولته الأولى لمنصب حاكم ولاية ألاباما في عام 1958، خسر الانتخابات التمهيدية للحزب «الديمقراطي» أمام خصم عنصري علنياً، واتهمه «والاس» لاحقاً بأنه «تفوق عليه».
لم يسمح والاس لذلك بأن يحدث مرة أخرى. حيث فاز في سباق منصب حاكم الولاية عام 1962 فيما كان آنذاك أكبر تصويت شعبي في تاريخ الولاية. وكان شعار والاس الفائز: «الفصل العنصري الآن، والفصل العنصري غداً، والفصل العنصري إلى الأبد». الدرس المستفاد من القصة، على الأقل بالنسبة لي، لم يكن كيف أدى الطموح المجرد من المبادئ إلى تحويل والاس من عنصري معتدل (بمعايير ألاباما) إلى واحد من أكثر دعاة الفصل العنصري صراحة في البلاد. بل يتعلق الأمر بمدى نجاحه عندما اختار التعبير عن معتقدات سكان ألاباما البيض واستغلالها.
خلال الحملة الرئاسية لعام 2016، كتبت أعمدة حول الإهانات والافتراءات المتسلسلة التي يوجهها مرشح الحزب «الجمهوري» دونالد ترامب، والمزاعم التي كان يرويها عن أي شخص لا يتفق معه. وكتبت عن كيفية تأجيجه النيران الدينية والعرقية، والتلاعب بالقوالب النمطية العنصرية، وتغذية مخاوف واستياء الطبقة العاملة البيضاء، وكيف أصبح بطلاً يعشق القوميين اليمينيين المتشددين - وكيف غازل الكرملين وكان متأكداً من أنه سيقوض «الناتو» وحلفاءنا.
لقد عرضت أنا والعديد من الآخرين القضية بأفضل شكل ممكن، بناءً على كل ما تمكنا من جمعه، وهو أن رئاسة ترامب ستشكل خطراً على الحريات المدنية، بما في ذلك حقوق التصويت والاستهلاك والحقوق الإنجابية. وفي يوم الانتخابات عام 2016، فاز ترامب بأغلبية 63 مليون صوت، أو 45.9%. في انتخابات عام 2020، التي جرت على أساس سجل رئاسي شمل التعامل الكارثي مع فيروس كورونا، وزيادة العجز القياسي من خلال التخفيضات الضريبية وإضعاف القواعد المتعلقة بالمواد الكيميائية السامة، وفصل الإسكان على أساس عنصري، وغير ذلك الكثير، حصل ترامب على 74 مليون صوت، أو 46.8% من الأصوات المدلى بها.
وجد استطلاع أجرته جامعة مونماوث في نوفمبر 2019 أن 62% من مؤيدي ترامب قالوا إنهم لا يستطيعون التفكير في أن «أي شيء يمكن أن يفعله ترامب، أو يفشل في القيام به، خلال فترة ولايته كرئيس من شأنه أن يجعلهم لا يوافقون على العمل الذي يقوم به». إن محاولة إقناع ناخبي ترامب بإدارة ظهورهم له هو مضيعة للوقت. إن ترامب، ودائرته الانتخابية من البيض، يمنح شعبه ما يريده. إنه يعكس ويستغل آمال ومخاوف مؤيديه. في أميركا المستقطبة سياسياً والمنقسمة على نحو ساخر، فإن مسألة الحساب في نوفمبر المقبل هي: «من سيفوز؟».
كولبرت آي كينج *
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»